حض اللاحقين على الاقتداء بالسلف السابقين

الشيخ عبدالله القصير

أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى واستقيموا له على الطاعة، والزموا منهاج أهل السنة والجماعة، تنصروا وتجتنبوا مضلات الفتان إلى قيام الساعة، وتنجوا من النار في الآخرة وتدخلوا الجنة مع الجماعة أعني السلف الصالح الفائزين برضوان الله والمتجر الرابح {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

واحذروا مشاقتهم والانحراف عن سبيلهم فإنه ضلال وشقاء في الدنيا وعذاب وخسار في الأخرى كما قال تعالى زجراً وتحذيراً {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

عباد الله:
لقد من الله على المؤمنين {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضلال مبين} .

وأثبت هذه المنة في كتاب يتلى إلى يوم الدين امتناناً على السابقين وحضاً للاحقين على أن يحذو حذوهم وينهجوا منهاجهم من العلم والدين وأن يحذروا مسالك المنحرفين من المغضوب عليهم والضالين والملاحدة والمشركين {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

أيها المسلمون:
لقد جاء الرسول محمد ﷺ الناس بالدين الذي شرعه الله، ودعاهم إلى أن يستقيموا عليه، ومخلصين لله وأن يتأسوا به في كيفية أدائهم له لله، وحذرهم عليه الصلاة والسلام من تركه أو التقصير فيه، جفاءً له أو زهداً فيه ومن الغلو والابتداع فيه، وأنهم بهذا المنهاج يشكروا المنعم ويحفظوا النعم، وينجوا من مهلك وعقوبة من ضل قبلهم من الأمم.

معشر المسلمين:
لقد نزل من الله القرآن، وردفه ما ثبت عن النبي ﷺ من الهدى والبيان فنزلت الأمانة في جذر قلوب المؤمنين فعلموا من القرآن وعلموا من السنة فقهوا المراد وحققوه بالعمل وبذلك تمت عليهم النعمة، وتحققت عليهم المنة فإنهم أهل اللسان، وقد حضروا نـزول القرآن، وشاهدوا الرسول ﷺ وهو يحقق البيان، فما فهموا منه مضوا فيه وما أشكل عليهم راجعوا النبي ﷺ فيه فكان الصحابة رضي الله عنهم بحق أعلم الأمة بالكتاب والسنة، وخير قرون الأمة، بل هم خير من كل أمة، ولذا شهد الله تعالى لهم بأنهم الأمة الوسط أي الخيار العدول من الناس، بل خير أمة أخرجت للناس، وأثنى عليهم النبي ﷺ بأنهم خير القرون، وأن خير الناس بعدهم الذين هم لهم يتبعون، فالتابعون لهم بإحسان هم خير الأمة بل خير الناس من كل أهل زمان ومكان، وأنهم هم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية وأن الغرباء حقاً هم من كان على مثل ما كان عليه الصالحون، الذين يصلحون عند فساد الناس، ويصلحون ما أفسد الناس.

أيها المؤمنون:
كل ما مضى يبين لكم فضل السلف الصالح، وأنهم هم أهل الدين والصلاح ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولن ينجو آخر هذه الأمة من الفتن والعذاب إلا بما نجى به أولها

كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: ((إن الله جعل عافية هذه الأمة في أولها وسيصيب آخرها فتن وأمور تنكرونها فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يتوه أنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)).

وقال ﷺ: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي)).

وقال ﷺ: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)).

فاتبعوا السلف الصالح بإحسان تفوزوا برضى الرحمن وفسيح الجنان، ولا تشاقوا الله والرسول وتتبعوا غير سبيل المؤمنين فتصبحوا من الهالكين الخاسرين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}