الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واتقوا النار فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
عباد الله:
إن اللهَ تعالى جعل الدنيا دارَ ابتلاءٍ واختبار ،كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وابتلاءُ اللهِ لعبادِه في هذه الدنيا متنوع، فمنه الابتلاءُ بالخيرِ ومنه الابتلاءُ بالشر، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
ففتنةُ الشرِ هي ما يصابُ به العبدُ من المصائبِ، كالمرضِ والفقر، وفواتِ المحبوبات، ومنها القدرةُ على المعاصي والسيئات.
وفتنةُ الخير، هي ما يُعطى للعبد من النِّعَم،كالصحةِ والغنى، وحصولِ المحبوبات، واندفاعِ المكروهات.
فيبتلى العبدُ بالمصيبة حتى يتبينَ هل يصبرُ على قضاءِ اللهِ وقدرِه، فلا يقولُ ما يُسخِطُ الله، ولا يفعلُ ما يُسخِطُ الله، ولا يضمرُ في قلبه ما يُسخِطُ الله، أم أنّه يكونُ ممن يَجزعُ ويتسخّط، ويذُمُّ القضاءَ الـمُقَدَّر، ويَقدحُ في علمِ ربهِ وحكمتِه، ويَشكُّ في عدلهِ ورحمتِه.
ويُبتلى العبد بتهيؤِ أسبابِ المعاصي ليتبيّنَ، هل هو ممن يَطغى، ويؤثرُ هواهُ والحياةَ الدنيا، فيعصي ربَّهُ ومولاه، ويطيعُ شيطانَهُ وهواه. أو هوَ ممن يخافُ مقامَ ربه، ويتقيهِ بجوراحِهِ ولسانهِ وقلبِه، فيكفَّ نفسَهُ عن الهوى، ويجنِّبَها مواقعَ الردى، خوفاً من ربِهِ وعقابِه، وطمعاً في رحمتِهِ وثوابِه.
ويبتلي اللهُ العبادَ بالخير، فيسبغَ عليهم النِّعْمَة، من مالٍ وصحة، وأمنٍ وقُوَّة، وولدٍ وزوجة، ليتبيّنَ من يشكرُ نعمةَ اللهِ فيعترفَ بأنّها من الله، ويستعملَها في طاعة الله، ويشكرَ ربَّهُ عليها بقلبهِ ولسانهِ وجوارحِه.
وليتبيّنَ من يكفرُ نعمةَ الله فينسبَها إلى غيره، ويستعينَ بها على معصيتِه، ويقابلَها بالجُحودِ والكُنود، يأمرهُ اللهُ بالطاعاتِ فلا يأتمر، وينهاهُ عن السيئاتِ فلا ينتهي، والعياذ بالله.
فالسعيدُ من استشعرَ هذا الامتحان، فقابلَ فتنة الخيرِ بالشُّكر، وقابلَ فتنةَ الشرِ بالصبر، اللهم اجعلنا عند النَّعماءِ من الشاكرين، وعند الضرّاء من الصابرين، وعند الزلّات من المستغفرين.
أقولُ هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
.
.
.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن نبيكم ﷺ قال : ((حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)) متفق عليه.
فدلَّ هذا الحديثُ الشريف، على أن الجنّةَ لا تُنال بعد فضلِ اللهِ إلا بالصبرِ على تعبِ الطاعة، والصبرِ عن لذةِ المعصية، والصبرِ على أقدارِ اللهِ المؤلمة، وأنّ اتباعِ الشهواتِ المحرّمة، سواء ٌكانت من شهواتِ الفرجِ أو السمعِ أو البصرِ أو المال أو غيرها كلها طُرقٌ موصلةٌ إلى النار.
فاستعينوا باللهِ على الصبرِ على المكارهِ التي تبلغكم جنةً عرضُها السماواتُ والأرض، فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر، واستعينوا باللهِ على اجتنابِ شهواتٍ عابرة، تعقبها الندامة، والخزيُ يومَ القيامة، والعذابُ الأليم، والنَّدَمُ المقيم.